Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

ماريو فارغاس يوسا : ليتوما في جبال الأنديز

ليتوما في جبال الأنديز (الصادرة عام 1993) هي الرواية الثانية التي  

قرأتها  لماريو فارغاس يوسا و التي سمحت لي بإدراك مدى أهميّة وبراعة هذا الكتاب المنحدر من البيرو و مكانته في الأدب العالمي حيث تميّز كأحد رؤوس حربة الطفرة الأدبية لأمريكا الاتينيّة، لا سيما من خلال ما تمّت تسميته بتيّار "الواقعية السحريّة"رفقة كارلوس فوانتس، غابريال غارسيا ماركيز أوحتّى جورح لويس بورخس. غير أنّ فارغاس يوسا يتميّز عن الممثّلين الآخرين للواقعية السحريّة بكونه لا يلجأ كثيرا إلى الصور السرياليّة التي يستخدها غارسيا ماركيز بل يعتمد أكثر على تقنيّات مثل الفلاش-باك أو نقل حوارين من زمنين مختلفين على صفحة واحدة أوأكثر ، دون أن ينزعج القارئ و لو أنّ هذا الأخير يحتاج إلى بعض الوقت ليتأقلم.  

       من جهة أخرى، إنّ ماريو فارغاس يوسا، الحائز على جائزة نوبل للآداب، هو أحد كتّاب أمريكا الاتينيّة بل العالم الذين يمزجون، ببراعة، بين الروح الهزليّة المُبتكرة و التعليق السياسي، التقليد السخري و التنديد بالعنف الأعمى، و ذلك على امتداد مشوار بدأه منذ عام 1958 و تميّز بأعمال عديدة و متنوّعة في أنواع مختلفة، منها الملحمة التاريخية، الرواية البوليسيّة، مرورا بالرواية الهزليّة الإجتماعيّة، كوميديا الأخلاق و حتّى البحث السياسي.

عودة إلى رواية  ليتوما في حبال الأنديز، كما يدلّ عنوانها فإنّها تصوّر الرقيب ليتوما (الشخصيّة الحاضرة في روايات أخرى لفارغاس يوسا) و قد تمّ إرساله هذه المرّة إلى مخيّم منجمي واقع في المنطقة الجبليّة المسماة "سييرا" ، كي يجري تحقيقا حول الوفيات الغريبة التي يُسندها البعض إلى الحركة المسلّحة اليساريّة التي تدعى "الدرب المضيء".

لكي يؤدي ليتوما مهمته على أحسن وجه يتّخذ كمساعد له "توماسيتو" الذي يبدو و كأنّه يعرف المنطقة أحسن منه. رغم هذا، تتجاوز الأحداث البطلان  وكلّ شيء يتسارع دون أن يغيّر ذلك شيئا في طبائع السكّان الهنود الساكنين بالمخيّم، الذين يظلّون منغمسين في رتابتهم الهادئة.

 وهكذا تبدأ "معركة مثابرة" للرقيب ليتوما الذي يُدرك أنّه لا يتعيّن عليه فقط أن يواجه رجال العصابات المختبئين في ظلّ الطبيعة الوحشية، بل أيضا معتقدات و خرافات السكان المحليين الذين يخشون تقلبات الطبيعة أكثر بكثير من حكومة بيرو أو ميلشيات "الدرب المضيء".

ويبدو أنّ عرّافة تتحكّم في كلّ شيء بهذا المخيّم. زيادة على ذلك،  ليس للمساعد توماسيتو فائدة تُذكر، و لكنّه يروّض عن نفس ليتوما، بسرد أحداث قصّة حبّ عاشها مع المرأة التي أنقذها من أيدي غريم عنيف، قبل أن يهربا معا وسط أدغال البيرو. 

هنا يجدر الذّكر ببراعة فارغاس يوسا في الحكي و التي لا مثيل لها، فهو يتمّكن من تركيب القصّتين في روايته (القصّة الغراميّة و التحرّي البوليسي) وذلك بمهارة دون أن ينزعج القارئ أو يملّ أبدا، بفضل أسلوبه الثريّ و المنوّع الذي يطغى عليه الطابع الشعري عند وصف مظاهر الطبيعة القاحلة و الوعرة لمنطقة "سييرا"، ثمّ يُستعمل أسلوب حادّ و يقظ في مشاهد الإثارة و المغامرة، و المواقف الهزليّة الكثيرة في هذه الرواية العنيفة في بعض الأجزاء، و التي تتطرّق أيضا إلى بعض المسائل الفلسفيّة بتواضع، بإلقاء الضوء على تناقضات الطبيعة البشريّة، و نتائج تبنّي نمط مجتمعي معيّن، كما أنّ الكتاب يتسائل عن وجاهة استعمال العنف من أجل قضيّة عادلة.

 من جهة أخرى، يطرح ماريو فارغاس يوسا سؤال المعتقدات الوثنيّة التي مازالت منتشرة في بلدان أمريكا الاتينيّة، و هي آثار الأساطير الكبرى التي شكّلت الحضارات العريقة للأزتك و الإنكا، و هذا ما يسمح بالتساؤل أيضا حول مفاهيم القَدَر و الإرادة الحرّة عندما تُستعمل من أجل تبرير أنماط تفكير بالية. و ينسحب أيضا هذا الكلام على بعض البلدان الإسلاميّة.

ماذا يُمكن أن نضيف عن رواية ليتوما في جبال الأنديز ؟ أنّها تتحدّث عن الحبّ بطريقة وجيهة و طريفة، أنّها تصوّر النساء بأسلوب حسّي كي تنسينا فجاجة بعض الحوارات الغارقة في الواقعيّة. كما يُمكن الإشارة إلى إدماج بعض الفصول التي تتطرّق إلى التاريخ الحديث لبيرو من خلال حياة الناس البسطاء. باختصار، تعجز الكلمات عن إنصاف هذه الرواية الصادرة في عام 1993، و هي لا شكّ مع حفلة التيس ( عام 2000) آخر رواية كبيرة لماريو فارغاس يوسا، و التي تعطينا الرغبة في اكتشاف بقيّة أعمال هذا الروائي الكبير.

إلياس فرحاني  


 

Tag(s) : #Arabe
Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :